كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا}.
قرأ حمزة والكسائي {ليغرق} بفتح الياء والراء {أهلها} رفع جعلا الفعل لهم كأنه قال أخرقت السفينة لترسو في البحر فيغرق فيه أهلها، وقرأ الباقون {لتغرق} بالتاء {أهلها} نصبا وحجتهم قوله تعالى: {أخرقتها} فجعلوا الفعل الثاني مثل الأول ويقوي هذا قوله: {لقد جئت شيئا إمرا} {قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا}، قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو {زاكية} بالألف وقرأ الباقون {زكية} بغير ألف قال أبو عمرو الزاكية التي لم تذنب قط والزكية التي أذنبت ثم غفر لها وإنما قتل الخضر صغيرا لم يبلغ الحنث وقال آخرون زاكية أي طاهرة وقال قتادة نامية وزكية تقية دينة وقال الحسن بريئة وقال آخرون منهم الكسائي هما لغتان مثل عالم وعليم وسامع وسميع إلا أن فعيلا أبلغ في الوصف والمدح من فاعل ويقوي التشديد قوله: {غلاما زكيا} قرأ نافع وابن عامر وأبو بكر {نكرا} بضم الكاف في جميع القرآن وقرأ إسماعيل عن نافع {نكرا} ساكنة الكاف وبه قرأ الآخرون وهما لغتان مثل الرعب والرعب والسفل والسفل {قد بلغت من لدني عذرا}.
قرأ نافع وأبو بكر {من لدني عذرا} بإشمام الدال وتخفيف النون وقرأ الباقون {من لدني عذرا} بضم الدال وتشديد النون الأصل لدن بإسكان النون فإذا أضفتها إلى نفسك زدت نونا ليسلم سكون النون الأولى تقول لدن زيد فتسكن النون ثم تضيف إلى نفسك فتقول لدني فتدغم النون في النون كما تقول عني ومن خفف النون كره اجتماع النونين فحذف واحدة وهي الثانية لأنها زائدة كما حذف من قوله: {تأمروني} وكما حذفت من قدني وقدي قال الشاعر:
قدني من ذكر الخبيبين قدي

وأما إشمام الدال فإنه علام على أن الدال كانت مضمومة: {قال لو شئت لتخذت عليه أجرا} قرأ ابن كثير وأبو عمرو {لتخذت} بتخفيف التاء وكسر الخاء وحجتهما أن أصل هذا الفعل من تخذ يتخذ تخذا فالتاء فاء الفعل مثل تبع يتبع وأنشد أبو عمرو:
وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها

فقرأ أبو عمرو على أصل بنية الفعل من غير زيادة وقرأ الباقون {لاتخذت} بفتح الخاء على افتعلت في هذه القراءة قولان أحدهما أن تكون التاء الأولى أصلية والتاء الثانية تاء زائدة في افتعل زائدة والأصل تخذ يتخذ فلا نظر فيه أنه افتعل منه والقول الثاني أن يكون اتخذ مأخوذا من أخذ والفاء همزة فإذا بني منه افتعل شابه افتعل من وعد فيصير ائتخذ يأتخذ ائتخاذا كما تقول ايتعد ياتعد ايتعادا فهو موتعد ثم تقول اتعد يتعد اتعادا كذلك اتخذ يتخذ اتخاذا فأبدلوا من مكان الهمزة تاء كما جرت مجرى الواو في التثقيل والأصل إأتخذ فاجتمع همزتان فقلبت الثانية ياء لسكونها وانكسار ما قبلها فصارت إيتخذ ثم أبدلوا من الياء تاء ثم أدغموا في التاء التي بعدها فقالوا اتخذ يتخذ فهو متخذ {فأردنا أن يبدلهما ربها خيرا منه زكوة وأقرب رحما}.
قرأ نافع وأبو عمرو {فأردنا أن يبدلهما} بالتشديد في جميع القرآن وقرأ الباقون بالتخفيف وهما لغتان تقول بدل وأبدل مثل نزل وأنزل. وحجة التشديد قوله: {وإذا بدلنا} آية وقال لا تبديل لكلمات الله ولم يقل لا إبدال. وحجة التخفيف قوله: {وإن أردتم استبدال زوج} فهذا قد يكون بمعنى الإبدال كما أن قوله:
فلم يستجبه عند ذاك مجيب

بمعنى لم يجبه، قرأ ابن عامر {وأقرب رحما} بضم الحاء وحجته قول الشاعر:
وكيف بظلم جارية ** ومنها اللين والرحم

وقرأ الباقون {رحما} وهما لغتان مثل الرعب والرعب {فأتبع سببا}، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو {فاتبع سببا} بالتشديد وحجتهما في ذلك أن المشهور في كلام العرب أن يقال اتبع فلان أثر فلان إذا سلك طريقه وسار بعده واتبعت الرجل إذا لحقته ومعلوم أن الله أخبر عن مسير ذي القرنين في الأرض التي مكن له فيها وقرأ الباقون: {فأتبع} بالتخفيف أي لحق سببا تقول اتبعت الرجل إذا سرت من ورائه وأتبعت الرجل ألحقته خيرا أو شرا كقوله تعالى: {فأتبعه شهاب ثاقب} قال أبو زيد رأيت القوم فأتبعتهم بالتخفيف إتباعا إذا سبقوك فأسرعت نحوهم ومروا علي فاتبعتهم اتباعا بالتشديد إذا ذهبت معهم ولم يسبقوك.
قال أبو عبيد القراءة عندي فاتبع بالتشديد لأنها من المسير إنما هو افتعل وأما الإتباع فإن معناه اللحاق كقوله فأتبعوهم مشرقين وقال قوم لغتان أتبع يتبع واتبع يتبع افتعل.
وجدها تغرب في عين حمئة 86.
قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر {في عين حامية} بالألف أي حارة من حميت تحمى فهي حامية قال تعالى: {تصلى نارا حامية} أي حارة وحجتهم ما روي عن أبي ذر رحمه الله قال كنت ردف النبي صلى لله عليه وهو على حمار والشمس عند غروبها فقال يا أبا ذر هل تدري أين تغرب هذه قلت الله ورسوله أعلم قال إنها تغرب في عين حامية وقرأ الباقون في عين حمئة مهموزا فالحمأة الطين المنتن المتغير اللون والطعم وحجتهم ما روي في حديث ذي القرنين أنه رأى مغيب الشمس عند غروبها في ماء وطين تغرب قال الشاعر:
في عين ذي خلب وثأط حرمد

فالخلب الطين والثأط الحمأة والحرمد الأسود. قال ابن عباس كنت عند معاوية فقرأ تغرب في عين حامية فقلت ما نقرؤها إلا حمئة فقال لعبد الله بن عمرو بن العاص كيف تقرؤها فقال كما قرأتها يا أمير المؤمنين قال ابن عباس فقلت في بيتي نزل القرآن فأرسل معاوية إلى كعب أين تجد الشمس تغرب في التوراة فقال أما العربية فأنتم أعلم بها وأما أنا فأجد الشمس في التوراة تغرب في ماء وطين أراد أنها تغرب في عين ذات حمئة وهذا القول ليس ينفي قول من قرأها حامية إذا كان جائزا أن تكون العين التي تغرب الشمس فيها حارة وقد تكون حارة وذات حمأة وطينة سوداء فتكون موصوفة بالحرارة وهي ذات حمأة.
فله جزاء الحسنى 28.
قرأ حمزة والكسائي وحفص {فله جزاء الحسنى} منونا منصوبا المعنى فله الحسنى جزاء وجزاء مصدر منصوب في موضع الحال والمعنى فله الحسنى مجزيا بها جزاء فالنصب على التقديم والتأخير.
وقرأ الباقون {فله جزاء الحسنى} بالرفع والإضافة فالحسنى على هذه القراءة تحتمل أن تكون الطاعة المعنى فله جزاء إحسانه أي له جزاء الأعمال الحسنى ويحتمل أن يجعل الحسنى الجنة ويكون الجزاء مضافا إليها وهو لاختلاف اللفظين كما قال لهو حق اليقين ولدار الآخرة يضاف الاسم إلى نفسه إذا اختلف لفظ المضاف والمضاف إليه وهو هو في الحقيقة.
{حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا} 93.
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {بين السدين} و{بينهم سدا} 94 بالفتح وفي يس سدا بالرفع قال أبو عمرو السد الشيء الحاجز بينك وبين الشيء والسد في العين والعرب تقول بعينه سدة بالرفع واستدل على ذلك بقوله: {فأغشيناهم فهم لا يبصرون} أي جعلنا على أبصارهم غشاوة فهم لا يبصرون طريق الهدى والحق.
قرأ حمزة والكسائي {بين السدين} بالرفع و{بينهم سدا} بالفتح وكذلك في يس.
قال أبو عبيد كل شيء وجدته العرب من فعل الله من الجبال والشعاب فهو سد بالضم وما بناه الآدميون فهو سد بالفتح وكذا قال أيضا عكرمة فذهب حمزة والكسائي في قوله: {أن تجعل بيننا وبينهم سدا} أنه من صنع الناس وفي يس إلى المعنى وذلك أنه يجوز أن يكون الفتح فيهما على معنى المصدر الذي صدر عن غير لفظ الفعل لأنه لما قال: {وجعلنا من بين أيديهم سدا} كأنه قال وسددنا ثم أخرج المصدر على معنى الجعل إذا كان معلوما أنه لم يرد بقوله في يس {سدا} ما أريد به في قوله: {بين السدين} لأنهما جبلان وهي ها هنا عارض في العين.
قرأ نافع وابن عامر وأبو بكر جميع ذلك بالرفع وقرأ حفص جميع ذلك بالنصب. وحجتهم أنهما لغتان بمعنى واحد كالضعف والضعف والفقر والفقر.
قرأ حمزة والكسائي {لا يكادون يفقهون} بضم الياء أي لا يفقهون غيرهم إذا كلموهم تقول أفقهني ما تقول أي أفهمني.
وقرأ الباقون {لا يكادون يفقهون} بالفتح أي لا يفهمون ما يقال لهم كما تقول كلمته ولم يفقه أي لم يفهم. واعلم أن فقهت فعل يتعدى إلى مفعول تقول فقهت السنة فإذا نقلته بالهمزة تعدى إلى مفعولين فالمعنى فيمن ضم لا يكادون يفقهون أحدا قولا فحذف أحد المفعولين كما حذف من قوله: {لينذر بأسا شديدا}.
{قالوا يذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا} 94.
قرأ عاصم {إن يأجوج ومأجوج} بالهمز وفي الأنبياء مثله جعله من أجه الحر ومن قوله: {ملح أجاج} وأجة الحر شدته وتوقده ومن هذا قولهم أججت النار ويكون التقدير في يأجوج يفعول نحو يربوع وفي مأجوج مفعول وامتنعا من الصرف على هذا للتأنيث والتعريف كأنه اسم القبيلة.
وقرأ الباقون {ياجوج وماجوج} {ياجوج} فاعول {وماجوج} فاعول أيضا الياء فاء الفعل قال النحويون وهو الاختيار لأن الأسماء الأعجمية سوى هذا الحرف غير مهموزة نحو طالوت وجالوت وحاروت وماروت.
قرأ حمزة والكسائي {فهل نجعل لك خراجا} بالألف وقرأ الباقون بغير ألف.
قال الزجاج الخرج الفيء والخراج الضريبة وقيل الجزية قال والخراج عند النحويين الاسم لما يخرج من الفرائض في الأموال والخرج المصدر وقال غيره خرجا أي عطية نخرجه إليك من أموالنا وأما المضروب على الأرض فالخراج ويدل على العطية قوله في جوابه لهم {ما مكني فيه ربي خير}.
{قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما ءاتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال ءاتوني أفرغ عليه قطرا} 95 و96.
قرأ ابن كثير {ما مكنني فيه ربي خير} بنونين إنما أظهر النونين لأنهما من كلمتين الأولى لام الفعل أصلية والثانية تدخل مع الاسم لتسلم فتحة النون الأولى والنون الثانية مع الياء في موضع نصب.
وقرأ الباقون {مكني} بالتشديد أدغموا النون في النون لاجتماعهما و{ما} بمعنى الذي وصلته {مكني} و{خير} خبر الابتداء المعنى الذي مكني فيه ربي خير لي ما يجمعون لي من الخراج.
قرأ أبو بكر {ردما ايتوني} بوصل الألف جعله من الإتيان أي جيئوني يقال أتيته أي جئته والعرب تقول خذ بالخطام وخذ الخطام وحجته في قوله: {ردما ايتوني} لأن إيتوتي أشبه بقوله: {فأعينوني} لأنه كلفهم المعونة على عمل السد ولم يقبل الخرج الذي بذلوه له فقوله: {إيتوني} معناه جيئوني بما هو معونة على ما يفهم من قوله: {فأعينوني بقوة}.
وقرأ الباقون {آتوني} ممدودة أي أعطوني والأصل آتيوني فاستثقلوا الضمة على الياء فحذفوها فالتقى ساكنان الواو والياء فحذفوا الياء لالتقاء الساكنين.
قرأ أبو بكر {بين الصدفين} بإسكان الدال وضم الصاد كأنه استثقل الضمتين وسكن الدال.
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {الصدفين} بضم الصاد والدال وقرأ الباقون بفتح الصاد والدال وهما لغتان.
قرأ حمزة وأبو بكر {قال إيتوني} {قطرا} أي جيئوني به وقرأ الباقون {آتوني} أي أعطوني. قال أبو عمرو كيف يقول لهم جيئوني وهم معه يكلمونه ويخاصمونه.
{فما اسطعوا أن يظهروه وما استطعوا له نقبا} 97.
قرأ حمزة {فما اسطاعوا} بتشديد الطاء أراد فما استطاعوا فأدغم التاء في الطاء لأنهما أختان. وحجته قراءة الأعمش {فما استطاعوا} بالتاء.
وقرأ الباقون {فما اسطاعوا} بتخفيف الطاء والأصل فما استطاعوا فحذفوا التاء كراهة الإدغام والجمع بين حرفين متقاربي المخرج.
{فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء} 98.
قرأ حمزة وعاصم والكسائي {جعله دكاء} بالمد والهمز أي جعله مثل دكاء ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه وتقول العرب ناقة دكاء أي لا سنام لها ولابد من تقدير الحذف لأن الجبل مذكر فلا يوصف بدكاء لأنها من وصف المؤنث وقال قطرب قوله دكاء صفة التقدير جعله أرضا دكاء أي ملساء فأقيمت الصفة مقام الموصوف وحذف الموصوف كما قال سبحانه: {وقولوا للناس حسنا} أي قولا حسنا.
وقرأ الباقون {دكا} منونا غير ممدود وفي هذه القراءة وجهان أحدهما أن تجعل دكا بمعنى مدكوكة دكا فمقام المصدر مقام المفعول والعرب تجعل المصدر بمعنى المفعول فيقولون هذا درهم ضرب الأمير أي مضروب الأمير والوجه الآخر أن يكون معناه دكه دكا فتجعل دكا مصدرا عن معنى الفعل لا عن لفظه.
{أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء}.
قرأ الأعشى عن أبي بكر {أفحسب الذين كفروا} برفع الباء وسكون السين وتأويله أفيكفيهم أن يتخذوا العباد أولياء من دون الله وموضع أن يتخذوا رفع بفعله وقرأ الباقون: {أفحسب الذين كفروا} أي أفحسبوا أن ينفعهم اتخاذهم عبادي أولياء وموضع أن نصب بوقوع الظن عليه {لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي} قرأ حمزة والكسائي: {قبل أن ينفد كلمات ربي} بالياء ذهبا بالكلمات إلى معنى المصدر فكأنه قال كلام ربي فذكرا لتذكير الكلام وقرأ الباقون {قبل أن تنفد} بالتاء أخرجوا الفعل على لفظ الأسماء المؤنثة إذ لم يحل بين الاسم والفعل حائل. اهـ.